الخميس، 22 نوفمبر 2012

عاشوراء الحسين ...في الضمير المسيحي الحي الى الأبد




لا أستغرب حين أرى كنيسة مسيحية تحمل على أحد جدرانها راية حسينية فالضمير المسيحي الحي يضرب اروع الأمثلة في الأخوة والتكاتف وروح المواطنة الاصيلة والتعايش السلمي الصحيح  ونحن نعيش في هذه الايام ذكرى استشهاد الثائرالكبير الذي لازال صوته يدوي في أذان الاحرار في كل العالم الا وهو الثائر العملاق (الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب)هذا الثائر الذي رأى أن صلاح الأمة في المجتمع العربي القبلي الجاهلي والتي تمثله السلطة الأموية اليزيدية التي حكمت البلاد بيد من حديد لا يقيمه سوى دمه الشريف وروحه الطاهرة وتضحيته الفذة والفريدة من نوعها حيث استخدمت هذه السلطة نفوذها السياسي عبر الاعلام المزيف المرتشي الذي غطى مساحات واسعة في العالم والذي رسم صورة ارهابية وقمعية للسلطة الحاكمة بإسم الاسلام  لتخويف العالم وإخضاعه لسلطة السيف المتعجرف الذي لا يعرف حقا من باطل.
الحسين كرجل دين وقائد سياسي ومصلح إجتماعي وتربوي رأى أن هذه السلطة تمادت كثيرا في فسادها ضد العالم بأكمله بكل أديانه وطوائفه وأديولوجياته المتنوعة  وليس فقط ضد الأمة العربية فأخذ يخطط لقيام ثورة حقيقية تغيير وجه العالم بأكمله بواسطة الأجيال الممتدة عبر العصورة اللاحقة .فأخذ يثقف لثورته ويمهد لها بطرح الأفكار الاسلامية المعتدلة التي جاء بها رسول الانسانية( محمد عليه وعلى أنبياء الله جميعا السلام )والتي  تجمع الناس على التعايش السلمي الحقيقي ونبذ الفساد والافساد في العالم جميعا وتضميد الجروح التي أحدثتها سلطة الأمووين في  جسد الأمة العربيةخاصة وجسد العالم بصورة عامة..السلطة الأموية كانت ترتدي لباس الاسلام كستر لعوراتها الواضحة  وجرائمها المكشوفة وهي في حقيقة  داخلها ليست الا صورة عملية للشيطان الرجيم مكتملة المعاني والملامح مرادها ان تسيطر على جميع افكار وتوجهات العالم ولكن الحسين وقف لها بالمرصاد وقال كلمته التي زللت كيان السلطة الاموية التي يمثلها اليوم الكيان السلفي التكفييري الذي يريد الغاء الاخر والذي لا يرغب في التعايش مع الآخر والذي يريد الغاء كل الاديان بقبضة السيف والذي ينبذ الحوار وهذا ما واجهه الحسين في ثورته بكل قوة وبسالة وشجاعة ويقين ومعرفة وإدراك حقيقي لما أقدم عليه وهو قيام ثورة كبيرة واعية تقول للعالم أجمع (نعم للغة الحوار)نعم للتعايش السلمي ..كلا للتفريق بين البشر بحجة قيام الدين الواحد بحكم السيف والتسلط على رقاب الناس ..ثورة الحسين كانت من أفضل الرسائل للعالم بأن الدين الاسلامي الحقيقي يجمع الناس على مفهوم التعايش السلمي.وكان ارسال النبي (محمد عليه وعلى الانبياء جميعا سلام الله)لمجموعة من المسلمين لملك الحبشة النصراني الذي لا يضلم عنده احد كما يقول (محمد الرسول) الا رسالة عميقة لتوطيد مفهوم التعايش الديني السليم بكل اختلافاته والحسين كرجل يقتفي أثر رسول الله والذي هو جده لامه أراد أن يثبت للعالم بأن الاسلام منفتح على الاديان الاخرى ولا يريد الغائها بل يريد ان يتعايش معها سلميا عن طريق طرح الافكار وترك الناس وقناعاتها.

فالحسين جمع تحت خيمة ثورته الكبيرة كل الأديان والطوائف ومن أبرز هذه الأديان التي شاركت الحسين ثورته العملاقة المترسخة في الصدور ..هي الديانة المسيحية الفذة العريقة والعميقة والتي أثبتت حبها للحق والحقيقة والتي ترعى دائما التعايش السلمي والمواطنة الحقيقية والواقعية البناءة والهادفة 
فالحسين كان قائدا روحيا أثر بخلقه النبيل في نفوس البشر جميعا وأخذ يتغلغل في صدور الاحرار من بني البشر فكان المسيحيين في طليعة هؤلاء الاحرار حيث شارك كثير من المسيحين في ثورة الحسين واستشهدوا بين يديه وضربوا اروع الامثلة في نصرة الحق والحقيقة من دون تفريق ومن دون أي استنكاف او تكبر بل بكل تواضع وخلق رفيع فهذا وهب النصراني يرى أن قضية الحسين قضية عادلة ومشروعة فيلتحق بالحسين  دون أي نقاش او استفسار لأن الحق في صدره واضح ومطلبه يتفق تماما مع مطلب الحسين وهو التغييروالإصلاح والعيش السلمي بين الاديان والطوائف ونبذ التقاتل السحيق بين أتباع الأديان. ولم يلتحق وهب لوحده بركب الحسين الثائر بل أخذ  معه أمه تلك النصرانية الطاهرة الأصيلة التي شجعته للإلتحاق بركب الحسين وأخذ زوجته التي هي جديدة عهد بالزواج منه لعشرون يوما فقط .فقاتل( وهب النصراني) مع الحسين قتال الابطال ومثل شجاعة (عيسى المسيح )وسماحة خلقه الفذ المتوغل في عمق سريرة (وهب النصراني)بكل صدق وإخلاص وكأن( المسيح عيسى بن مريم ) يقاتل مع الحسين المظلوم لنصرة الحق والحقيقة 
فكان الضمير المسيحي حي في كل الأزمان وفي كل الاماكن فهاهم المفكرين والادباء والكتاب والشعراء المسيحين الأبطال الذين كتبوا وأرخوا لثورة الحسين بكل صدق وإخلاص من دون خوف من أحد بل قالوا كلمتهم بكل جرئة وتحدي لكل السلطات التي عايشوها والتي تنتمي لفكر التكفير وإلغاء الآخر وفكر القتل والتفجير والتعذيب .....والخ من ممارسات الارهاب الدموي الفاشي منذ عصر السلطة الاموية وحتى يومنا هذا.
فالدين المسيحي هو أقرب الاديان للإسلام وأنا كمسلم أأكد أن المسيحية والإسلام أقرب دينيين سماوين لبعضهما فالتلاحم والصداقة والأخوة موجودة في صميم التعاليم الحقيقية للدينيين فهنالك صداقات حقيقية بين المسلمين والنصارى منذ بداية تاسيس الدولة الاسلامية وليومنا الحاضر 
فالقرآن الكريم يصرح في إحدى آياته بهذا القرب بين النصارى والمسلمين جهارا وبكل صراحة ووضوح حيث يقول(وَلَتَجِدَنّ أقربَهم مَودّةً لِلَّذينَ آمَنُوا الَّذين قالُوا إنّا نصارى، ذلك بأنّ مِنَهم قِسِّيسِينَ ورُهباناً وأنّهم لا يَستكبرون) فهذه شهادة قرآنية حقيقية للتقارب بين المسلمين والمسيحيين فضلا عن شهاداة حقيقية لرجال الدين المسيح ورجال الدين المسلمين بأن الاسلام والمسيح متقاربان جدا الى حد اللحمة الحقيقية 

فثورة الحسين عاشت في الضمير المسيحي الحي المتوقد والنير ..فبعد مقتل الحسين على يد جيش يزيد المتغطرس وعندما أخذ يزيد الرأس الطاهر الشريف للحسين المظلوم كان من ضيوف يزيد رجل من النصارى كمبعوث من قيصر الروم وبعد ان عرف هذا الرجل المسيحي المنصف بقضية الحسين وسبب قتله وعرف أنه رجل أراد الاصلاح في امة جده فقتل .. قال ليزيد مستعظما فعلته الشنيعة التي ارتكبها بحق الحسين الذي أدرك الرجل المسيحي قربه من نبي الاسلام وقد قيل له بأن الحسين هو ابن بنت رسول الاسلام فقال (يا يزيد  إن عندنا في بعض الجزائر حافر حمار عيسى ونحن نحج إليه في كل علم من الأقطار ونهدي إليه النذور ونعظمه كما تعظمون كتبكم ، وأنتم تقتلون ابن بنت نبيكم فأشهد أنكم على باطل)ولعمري هذه شهادة خرجت من لسان رجل منصف وعادل قد فهم الحقيقة كما هي ..
وهنالك الكثير من المسيحيين من أدباء ومفكرين ومؤرخين وشعراء قد أرخوا وكتبوا قصائد وقصائد في حق ثورة الحسين الخالدة ومنهم المفكر المسيحي المنصف الأستاذ انطوان بارا الذي كتب كتابا أسماه (الحسين في الفكر المسيحي) والشاعر بولس سلامة الذي كتب ملحمة شعرية أرخت لثورة الحسين ... وهذه بعض ابياتها

أنــزلوه بكــربلاء وشادوا * حوله من رماحــهم أســوارا
لا دفاعاً عــن الحسين ولكن * أهل بيت الرسول صاروا أُسارى 
قال : ماهــذه البقـاعُ فقالوا * كربلاء فقــال : ويحــكِ دارا 
هاهنا يشربُ الثرى مـن دمانا * ويثيرُ الجمـادَ دمــعُ العذارى
بالمصير المحتوم أنبأنـي جدي * وهيهــات أدفـــع الأقـدارا 
إن خَلَتْ هـذه البقـــاع من * الأزهار تمسي قبورُنا أزهــارا 


وغيرهم الكثيرين من الادباء كالشاعر حبيب الغطاس ,والشاعر حليم دموس والكثير 
اضافة الى الكثير من رجال الدين المسيحيين  الذين يشاركون المسلمين الشيعة في تعازيهم بذكرى استشهاد الحسين واهل بيته ويقيمون المآتم في الكنائس ويشاركون في الحسينيات والجوامع خاصة عندنا في العراق حيث في كل عام يقوم رئيس ديوان الوقف المسيحي رعد عمانوئيل باصدار قرار بالغاء احتفالات المسيحيين بأعياد الميلاد واحتفالات رأس السنة لتزامنها مع شهر محرم الحرام وهذه اعظم رسالة عملية يبعثها المسيحيين لكل العالم مفادها أننا متعايشون سلميا بما للكلمة من معنى ولا يمكن أن يفرقنا احد ومثل هذه المواقف كثيرة جدا حيث الروح الوطنية الأصيلة في نفوس الأخوة المسيحيين كبيرة روح واعية ومدركة لحقوق المواطنة والتعايش 
وقد نقل لنا التاريخ عن مواقف الحسين مع المسيحيين في ثورته الانسانية ومنها موقفه مع جون المسيحي الذي كان أسود البشرة فعندما قتل علي الاكبر ابن الحسين قام  الحسين ووضع خده على خد ولده علي الاكبر وفعل نفس الفعل مع جون المسيحي فوضع خده على خد جون من دون اي يفرق بين ولده وبين هذا الرجل صاحب البشرة السوداء وهذه رسالة انسانية اخرى يرسلها الحسين للعالم بأن العنصرية والطبقية والأسود والابيض لا توجد في فكر الاسلام الاصيل ولا توجد في فكر وعمل الحسين الثائر الحر الذي يريد ان يصلح مجتمعا تربى على افكار جاهلية تستعبد صاحب البشرة السوداء وتسيد صاحب البشرة البضاء وها جزء من اهداف ثورة الحسين وهي نبذ التفرقة العنصرية .فجون المسيحي مثال رائع من امثلة التضحية والفداء في سبيل الحق والحقيقة وقد التحق بالحسين وقد رخصه الحسين بأن يذهب الى اهله وهو في حل منه وقد شكره الحسين على مرافقته لهم  ولكن الروح الابية التي سكنت كيان جون المسيحي النصراني أبت ان تترك الحسين الذي رافقته طول مسيرته وقال يا حسين أفي الرخاء الحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم لا والله حتى يختلط دمي بدمائكم الطاهرة .وفعلا قاتل وقتل رضوان الله عليه ويقول المؤرخون بأن جثته تنبعث منها روائح زاكية وعطرة بعد شهادته..
فالضمير المسيحي الحي يبقى حيا الى اخر الدهر لأن التعاليم المسيحية الاخلاقية تعيش في نفوس المسيحيين عمليا وروح المواطنة الحقيقية تعيش في كيان كل مسيحي وهذا ما عهدناه منهم ففي كل مناسباتنا في أعيادنا وتعازينا نجد المسيحيين قبل الجميع يقدمون لنا التهاني في الاعياد والتعازي في المناسبات الحزينة والمؤلمة ونحن كمسلمين شيعة خاصة تربطنا في أخوتنا المسيحيين روابط عميقة جدا تصل الى حد الاخوة بل اكثر وليس غريبا على اخوتنا المسيحيين فهم تلامذة (عيسى المسيح)رجل المحبة والتسامح والإخاء 

فتحية حب واجلال واكبار لكل الاخوة المسيحين الشرفاء الذين يتعايشون مع جميع الناس على أساس المواطنة ويشاركون الجميع بروح الوطنية الكبيرة المترسخة في أعماقهم.

هناك تعليقان (2):

  1. روحي لك فداء يا اباعبد الله الحسين ..
    شهرزاد

    ردحذف
  2. احسنتي يا شهرزاد اسأل الله ان يجعل الحسين شفيع لك يا اختي الطيبة

    ردحذف

أكتب تعليقك وشاركني رأيك