الاثنين، 31 ديسمبر 2012

الوضع الصحي في العراق...إنحطاط إنساني وإستهتار حكومي بأرواح المواطنين





اليوم اريد أن اطرح قضية مهمة جدا لا يمكن السكوت عنها وكان علي ان اطرحها من زمان ولكن كنت انتظر الى اي حد ستصل واليوم طفح الكيل وبلغ السيل الزبا ويجب أن أطرح القضية على جميع الملأ وهي قضية الفساد الصحي وتردي الخدمات الصحية وضعف الأداء الصحي الحكومي والإستهتار بأرواح المواطنين الأبرياء_في بلد تبلغ ميزانيته السنوية 100 مليون دولار وهي أكبر موازنة عرفها العراق منذ تأسيس الدولة العراقية في 1921 من القرن الماضي ولغاية سنة 2011 حسب بعض المصادر الحكومية . حيث لم يشهد العراق ميزانية بهذا الحجم وأنا أتحدث طبعا عن ميزانية عام 2012  التي ذهبت دون رجعة ولكن سؤال مهم جدا.. أين الخدمات الصحية والبيئية من هذه الموازنة وهل تم تخصيص وصرف مبلغ كافي لتغطيتها بشكل كلي يضمن للمواطن البسيط خدمات صحية ينعم بها كما باقي دول العالم وهل هناك أيادي أمينة تقوم بصرفها بشكلها الصحيح ؟؟ كلا وألف كلا فالكوارث الصحية في العراق باتت أمر مخجل وغير إنساني أبدا إضافة الى المعاملة السيئة جدا والغير مقبولة من قبل الكوادر الصحية والطبية في المستشفيات والمراكز الصحية الصغيرة ومن دون رقابة حكومية وكأن الحكومة المركزية أو ما يسمى أيضا بالحكومات المحلية نيام لا يستيقضون ...وإذا شاء القدر أن يستيقضوا من سباتهم العميق بعد صراخ النساء والأطفال والفقراء من آلامهم وأوجاعهم فإنهم يكتفون بتوبيخ بعض مدراء المستشفيات والمراكز الصحية أو إقالتهم من مناصبهم  وهذا لا يؤثر على عملهم كأطباء وكوادر صحية تعمل بقطاعات اخرى غير حكومية كالقطاعات الخاصة من مختبرات وعيادات والبعض من الكوادر الطبية اصبح يفتح دكانا في بيته لمزاولة بعض الاعمال الصحية ..كزرق الأبر والتداوي وقياس الضغط والسكر.....والخ  وهذا يعني أن المضمد الصحي او الموضف الصحي لا يتأثر أبدا بالتوبيخ والاقالة والعقوبات حيث يعتبرون العمل في القطاع الحكومي فقط من باب اضفاء الشرعية ليزاولوا عملهم في القطاع الخاص فإذا ترك العمل الحكومي فهو ضامن أن يعمل في القطاع الخاص وهذا سبب رئيسي لضعف اداء بعض الكوادر في المستشفيات الحكومية ...لا اريد أن اطيل الحديث في القضية بشكل عام وأريد أن أدخل في الواقع القريب الذي لمسته والذي يتشابه في جميع انحاء البلد وكأنها مشاكل صحية مستنسخة من مكان لآخر
الان سأقوم بسرد أمثلة واقعية من الحياة اليومية التي نعيشها وأبين كيف تسير الخدمات الصحية في بلدنا بشكل غير مقبول جدا وهي كما يلي
المستشفيات الحكومية....
عندما يصاب أي شخص بمرض ما فعليه أن يراجع المستشفى الحكومي وهذا في كل بلدان العالم شئ طبيعي ولكن في العراق ماذا سيجد ..فضلا عن قذارة المكان سيجد قصابيين يرتدون ملابس بيضاء لا تعكس بياض القلوب وبياض الانسانية الناصعة بأي شكل من الأشكال وإنما فقط قطع قماش كتعريف وتمييز الموظفين عن المراجعين لا أكثر..فعندما تأتي لتقطع تذكرة الفحص ستجد أشخاص لا يعرفون الابتسامة ولم يمارسوها على ما يبدوا ولكن لكي لا نظلم الجميع فنقول البعض وليس الكل ..ولكن البعض الأغلب للأسف ..وعندما تقطع تذكرة وتذهب للطبيب ستجد رجلا أو امرأة تقعد خلف كرسي دوار ويبدأك بالسؤال ماذا تشعر وما هو مرضك من دون فحص طبعا وكأنك تعلم ما بك .فإذا كنت اعرف ما بي من مرض وكنت اعرف ما العلاج فلماذا جئت للمشفى ؟؟! والطبيب المحترم طبعا لا يكلف نفسه فحص المريض الا بحركات روتينية لا تغني ولا تسمن من جوع فقط حركات تمثيلية وبعدها يكتب لك علاج بحسب وصفك لمكان الألم ويأمرك أن تذهب للصيدلية التي ستفاجئك بأن الدواء غير موجود وعليك شرائه من القطاع الخاص أوالصيدليات الخارجية والطامة الكبرى أن نقودك لا تكفي لشراء نوع واحد مما كتبه لك الطبيب المحترم ..أما لو وجدت العلاج وعليك أن  تذهب للمضمد الفلاني لتزرق الأبرة او التحليل بأخذ دم أو قياس ضغط الدم ستواجه مضمد مكفهر الوجه لا ينظر لك أبدا ويقوم بواجبه بتثاقل وقد يسمعك بعض الكلمات الجارحة والمزعجة ..وكما قلت البعض وليس الكل للأمانة...هذا بصورة عامة إضافة الى عدة أمور مزعجة للغاية كنظافة مكان المستشفى وتنظيم الطوابير والانتظار الطويل و.و.و.و والطامة الأكبر أنك لا تمشي في المستشفى الحكومي الا وبجيبك حفنة كبيرة من الأموال قد لا يبقى منها عند انتهائك من زيارة المشفى سوى أجرة التكسي  لتعود الى بيتك وقد أصبت بمرض نفسي خطير ومعقد.بسبب دفع الأموال..هذا ان ان بقي عندك شئ من الاموال..ولكي لا تتصور ان كل المبلغ تصرفه للأدوية والفحص أطمئنك أن أغلب النقود تذهب كإكرامية وحوافز مالية للعاملين في المشفى فعامل النظافة لا ينظف مكان اقامتك في المشفى أحيانا اذا أمرك الطبيب بالمكوث في المشفى الا أن تعطيه شئ من المال والعاملة لا تحضر لك مستلزمات الاقامة الا بعد دفع قدر من المال لتحفيزها علما ان الحكومة لم تقصر بصرف حوافز لهم للأمانة ..
 والمضمد بعد العملية الجراحية ان اجريت لك لا يقوم بتنظيف وتعقيم مكان العملية بسهولة الا بعد توسل واعطائه شيئ من المال والبعض منهم يصرح علنا بانه يجب عليك إعطائي مبلغ من المال لأقوم بتنظيف بعض الأماكن الحساسة من جسمك من باب الترفع والحق أن هذا واجبه وليس فضلا او كرما منه  !!!! والعجيب جدا جدا هو أن نفس هؤلاء العاملين في المشفى الحكومي من طبيب الى عامل نظافة  عندما يعملون في المستشفيات الأهلية ستجد كائنا أنسانيا لا مثيل له أبدا بمنتهى الرقة والأنسانية والتعاطف والعمل الدؤوب والسر بسيط  أن المستشفيات الأهلية تعطي رواتبا خيالية لبعض الاطباء والكوادر الطبية الأخرى لا يحصلون عليها في المستشفيات الحكومية العامة
في عيادة الطبيب الخاصة ...
عندما تزور الطبيب في المشفى العام الحكومي ستجد كما قلت سابقا معاملة لا تنتمي للإنسانية بأي شكل من الأشكال ولكن ماذا يحدث لو زرت نفس الطبيب في عيادته الخاصة ؟؟؟ ستجد كائنا ملائكيا عجيبا وليس مجرد طبيب يعالج الجسد ..فعندما تزور هذا الطبيب في المشفى الحكومي ستجده قصابا لا يهتم بك كإنسان لك حرمة وسبب هذه المعاملة الجافة هي كي تضطر لزيارته في العيادة الخاصة ولكي يتمكن من افراغ جيبك بشكل مريح دون رقابة من السلطة وبطرق فنية اقناعية لا تشعر بها أبدا ...
 سأخبرك عيزي القارئ بتفاصيل زيارة الطبيب في العراق بعيادته الخاصة وهي كما يلي إستمع جيدا ولكن انصحك بأن تسترخي كي لا تصدم ...
 عندما تضطر بسبب عدم الاهتمام بك وبمرضك في المشفى الحكومي ستظطر لزيارة الطبيب في عيادته الخاصة كي تلاقي بعض الاهتمام الجاد في قضيتك وعلاجك وستلاقي أولا ..العامل او العاملة الذي سيعطيك تذكرة الحجز ومن هنا تبدأ رحلة الجيب النازف فإنك ومن دون سلام أو كلام ستدفع عشرة الاف دينار أو البعض خمسة عشر الف دينار والاخر خمسة وعشرون الف دينار حسب نوع الطبيب وهذه تسمى (الكشفية) يعني مجرد الفحص من دون شئ اخر ..تدخل بعدها لغرفة الطبيب احيانا تجدها مرتبة ونظيفة ومنعشة واحيانا تجدها  أسوء حالا من المشفى الحكومي والسبب كثرة المراجعين وقصر الوقت !علما ان عطلة الطبيب في العيادة فقط في الدوام الصباحي .والطبيب بدوره يقوم بالترحيب بك بشكل جيد جدا وكأنه يحمل خلق نبي من الانبياء في حين هو نفسه ذاك المكفهر الوجه في المستشفى الحكومي ..فتجلس بالقرب من الطبيب والكلمات الجميلة والمريحة ترن بإذنك بكل اهتمام ويقوم بفحصك بشكل دقيق وطبعا بأجهزة حديثة نوعا ما لا تجدها في المشفى الحكومي ..لأن الحكومة الموقرة عاجزة عن تأمينها بينما الطبيب العادي يأمنها بكل سهولة !! فبعد أن يتم الفحص الدقيق سيقوم بكتابة العلاج المناسب والشرط الوحيد هو أن تجلب العلاج من الصيدلية التي أمرك بها الطبيب والا ستقوم قيامتك ويتحول الطبيب الإنساني الى وحش مفترس يلتقمك بكلماته الجارحة ..فإياك إياك أن تخطأ في جلب العلاج من صيدلية اخرى ..لأن نفس العلاج في الصيدلية الاخرى لا يعمل لأن الطبيب الموقر لم يرضى به فيتحول الى مرض وليس علاج ...وطبعا كما يعلم الجميع أن العلاج من الصيدليات الخارجية مكلفة الثمن بشكل لا يطاق لذوي الدخل المحدود والغير موظفين في دوائر الدولة العراقية...وطبعا هذا هو اتفاق بين الصيدلية والطبيب لإعطائه حصة كبيرة من بيع الادوية ..بعبارة أخرى أن الطبيب يتحول هنا الى سمسار للصيدلية..لتصريف الادوية التي جثت على رفوف الصيدلية لأمد طويل والبعض منها منتهي الصلاحية دون رقابة حكومية ...وعندما تعود للطبيب بالعلاج كي يصف لك طريقة استخدامه ستتفاجئ بأن الطبيب يصرخ بوجهك الم أكتب لك الدواء الذي تصنعه الشركة الفلانية الانكليزية فلماذا اتيت بهذا الدواء التي تصنعه الشركات العراقية او العربية الا تعرف انه غير جدير بشفائك !!!؟ ولأن الدواء الانكليزي اقوى مفعول يجبرك الطبيب لجلبه وكمريض تريد أن تشفى بسرعة نوعا ما .وطبعا المبلغ كبير جدا فتضطر لتعود لشرائه من جديد وبكمية من المال تقصم الظهر ..هذا حال العيادات الخاصة .
 الطوارئ في المستشفيات الحكومية...
اما عن الطوارئ في المستشفيات الحكومية فستجد العجب العجاب وخاصة في مستشفيات الولادة فستلاقيك دواهي عظمى فكم من مرأة فقيرة ماتت بسبب اهمالها في المشفى دون انقاذ ولأسباب تافه ومخجلة جدا وهي أن المريضة لم تراجع الطبيبة الفلانية المسؤولة عن المشفى في عيادتها الخاصة اذا ما صادفت خفارتها الليلية  وبالتالي لا تقوم بتويليدهابشكل جيد او لا تولدها نهائيا وتموت المرأة بدم بارد جدا دون مسؤولية أو عندما تأتي إمرأة بحالة خطرة بسبب نزيف ما فستجد ان الاجراءات التعقيدية للمشفى تجعل المريضة تفارق الحياة ولم تكتمل الاجراءات بعد واول الإجراءات تأمين مبلغ من المال قبل عمل اية عملية جراحية للمريضة النازفة والسبب أن المريضة كانت تراجع طبيبة أخرى أو مستشفى اخر قد استنزف كل اموالها فمن أين تأتي هذه المسكينة بالأموال الطائلة التي تصل الى نصف مليون دينار عراقي أو أكثر ؟؟؟؟!
وهناك حادثة مضحكة مبكية بنفس الوقت ينقلها لي أحد أقاربي يقول عندما أتينا بأحد أصدقائنا الى مستفى في بغداد العاصمة وهو مستشفى مشهور جدا وكان مريضا لم نجد سرير نضعه عليه فالأسرة ممتلئة كلها فسألنا ممرضة هل يوجد سرير فارغ أجابت وبكل برود إنتظروا لحين ما يموت هذا الشاب المريض وقوموا بوضعه مكانه!!!! ..الى اي حد وصل الرخص بالمواطن العراقي لدرجة انه يموت أمام اعين الاطباء والممرضين بشكل طبيعي دون اي اهتمام وكأنه جهاز ينتظرونه ليفقد شحنه ويستبدلونه بآخر وفعلا بعد لحظات مات الشاب ونقلوه وقمنا بوضع مريضنا على السرير وبصعوبة لأن مريضنا اصيب بصدمة بسبب الموقف الذي رءاه وهو موت الشاب امام عينيه ..فأي خزي أكثر من هذا الخزي والعار الحكومي في أدائهم الصحي هل لهذه الدرجة المواطن العراقي أصبح رخيص في حساب الحكومة وهناك آلاف الأمثلة التي يخجل الانسان من ذكرها والتطرق لها ولكن لمن تشكوا ولمن تصيح ولمن تقدم كل هذه المآسي ومن يستمع لك ويقوم بالتغيير فعلا ..هل هو السياسي الذي يتداوى بأفضل مستشفيات العالم او البرلماني الذي لا هم له سوى ان يشرع قوانيين رواتب النواب وشراء سيارات مصفحة ضد الرصاص لحمايتهم الشخصية ..أم تشكوا لبعض رجالات الدين الذين يغطون بعض السياسيين تحت عبائاتهم الرخيصة مستغلين الروحية والقدسية لتمشية أهوائهم الشخصية ..
ختاما
فالسؤال المهم والواقعي الذي يجب أن يطرح بقوة هل قام أحد المسؤولين في الحكومة المركزية أو المحلية أو احد النواب او المحافظين بزيارة المستشفيات الحكومية للعلاج  لهم أو لأبنائهم أو عوائلهم  ..أبدا ..هل قاموا بتفقد المستشفيات ووضعها الاداري وهل راقبوا العمل عن قريب ..ابدا ..هل سمعو شكاوى المواطنين وهل قاموا بتغيير واقع الصحة والعمل الصحي الانساني ..كلا  بل هم مهتمين بأنفسهم فقط وفقط لا غير ...
الفساد الإداري والمالي  لا زال قائما على قدم وساق في مؤسسات الدولة الصحية بشكل واضح وفاضح جدا والى الله المشتكى والى الشرفاء من أبناء هذا الوطن الجريح
ولا بد أن أذكر أن لدينا في العراق وللحقيقة وللأمانة كوادر طبية مشرفة جدا وتتحلى بالإنسانية ولكنها قليلة جدا غطت عليها الكوادر الفاسدة ونحن نجلهم ونقدم لهم كل الحب والامتنان وندعوا لهم بالإستمرار والتقدم وأن يكونوا هم الأقوى والأكثرفاعلية في البلد

حسام العبودي 
العراق _ذي قار 
hussammy_1985@yahoo.com
تويتر
 https://twitter.com/hussamy_1985

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أكتب تعليقك وشاركني رأيك